انتصر العلم على الفوضى!

Sun 03:25 am

شاءت قوانين التاريخ التي حكمت المدرسة المستنصرية العباسية ان ترحل نفسها على الجامعة المستنصرية المعاصرة التي اشتقت اسمها من الأولى، وتيمنت بها، حتى اريد لها ان تكون امتداداً لحضارة بني العباس وزهوهم! المفارقة ان المدرسة المستنصرية كانت الوحيدة التي تدرس فيها جميع المذاهب الإسلامية على قدم المساوة، وهي على عكس بقية المدارس التي تختص كل منها بتدريس مذهب معين حتى صارت المستنصرية انموذجا يحتذى في هذا المجال، وظلت كذلك حتى أصابها التدهور والتصدع والانهيار في العصر العثماني وتحولت الى محطة استراحة للمسافرين القادمين الى بغداد والتي يطلق عليها باللغة التركية (مسافر خانه)!

اما الجامعة المستنصرية فقد شهدت ازمانا من الازدهار حتى كانت مطمحا لكل طلبة العراق، بل كان يقصدها طلبة العرب والأجانب حتى غدت شعلة متوهجة في نشاطها العلمي ة، وتفوق طلبتها، وظلت هكذا الى ان طالها طاعون الطائفية والتخلف الذي بلغ ذروته في عام ٢٠٠٦ يوم تحولت صفوفها وحرمها واروقتها الى ساحات للاحتراب، وتحولت الى(مليشياخانه)!

الحكومات المتعاقبة بدت وكأنها عاجزة عن إيجاد رجل قادر على ضبط إيقاع المستنصرية والامساك بمقودها والسير بها نحو ناصية العلم لا صوب فوضى الاصطراع والغوغاء! قبل أيام قليلة وضعت الامتحانات الجامعية اوزارها، وقد سمعت شهادات من شهور ثقاة، أساتذة وطلبة، ان الامتحانات جرت في المستنصرية على درجة عالية من الانضباط والدقة، واديرت بحنكه وكفاءة حتى يمكن القول ان تجربة نجاح المستنصرية يمكن ان تعمم على بقية الجامعات بعد ان كانت (انموذجا) للفوضى والخراب، ومسلخاً للأساتذة الذين يختفون عند أبواب جامعتهم بين قتيل ومخطوف ومختف والأدلة كثيرة والاسماء أكثر والفجيعة تدمي القلوب! في الجيوش ثمة قاعدة تقول: الوحدة بآمرها. ويصح لنا ان نستنسخ هذه المقولة على الجامعة المستنصرية برئيسها وادارتها والقائمين عليها! لا شك ان رئيس الجامعة الدكتور احسان القرشي قد تعرض للكثير الكثير من المكائد والخبث والتآمر ومحاولة الافشال، لكنه واجه كل ذلك بصبر وحكمه وحنكه وسعة افق، فترك الزبد ليذهب جفاء وتمسك بما ينفع الناس، فأفلح وافلحت معه المستنصرية، ووضعت على جادة الصواب طريق، وها هي جامعة تظللها أجواء العلم لا نزعات الثأر والقتل والفوضى المدفوعة بدوافع الجنون والجهل والانتماءات الضيقة!

جريدة المشرق -الاحد ٢٠ من حزيران ٢٠١٠ -العدد ١٨٢٩ -السنة السابعة -الواجهه