في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي عندما كنت طالبا في المرحلة الإعدادية كان اساتذتنا الأفاضل يكلفونا بإعداد تقارير في مواضيع اللغة العربية التاريخ ..... الخ ومن ثم مناقشتها أمام زملائنا الطلبة وتكريم المتميزين وكانوا حريصين على التقاء المواضيع والمصادر وكذلك وجوب كتابتها بخط أيدينا ولا يقبلون البحوث والتقارير المطبوعة على الآلة الكاتبة ...... والغاية من هذه الممارسة تدريب للمرحلة الجامعية
القادمة ...
وفي عام ١٩٧٣ ١٩٧٤ عندما كنت في المرحلة الأولى بكلية الإدارة والاقتصاد / جامعة بغداء مثل علينا العلامة الأستاذ الدكتور محمد سلمان حسن برحمته الله بطلعته البهية وعنفوانه العلمي وتواضعه الجم ليدرسنا مبادئ الاقتصاد والأستاذ الدكتور محمد سلمان حسن يعتبر من العلماء المنظرين الأفذاذ في الاقتصاد وعلى المستوى العالمي وله بحوثه ومؤلفاته ونظريا له الأصيلة المتميزة وبصماته في وضع الخطط الاقتصادية المجموعة من البلدان المتقدمة والنامية، علما انه اكمل دراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في جامعة اكسفورد في المملكة المتحدة. في أول لقاء لنا مع العلامة .د محمد مسلمان حسن قرر تكليف جميع الطلبة بإعداد بحث عن احد الفصول كتاب (( الاقتصاد السياسي للاشتراكية )) وبين لنا إن درجة البحث ستكون مجزية لامتحان الفصل الثاني وبدأنا رحلة كتابة البحث من خلال البحث عن المصدر حيث إن مكتبة الكلية فيها عدد محدد من هذا الكتاب مما اضطرني إلى شرائه من إحدى المكتبات وبسعر ( ٢٥٠ فلساً ) وما زلت احتفظ بهذا المصدر القيم وبعد تحديد الفصل المطلوب من القيل الأستاذ الدكتور بدأت بكتابة البحث بوريقات لا تتعدى عدد اصابع اليد، وختمت البحث ينقاد للأفكار المطروحة بالكتاب وخاصة فيما يتعلق بالفصل المحدد له، وعند بداية الفصل الثاني تمت مناقشة بعض التقارير والبحوث ومن ضمنها البحث الذي تم اعداده من قبلي وقد أشاد الأستاذ الدكتور رحمه الله بتقريري إشادة بالغة وقال عن الطالب إحسان تميز عن أقرانه بميزتين أولهما المنهجية العلمية في العرض وثانيهما النقد، حيث الفرد الطالب إحسان بكتابة فقد للأفكار التي بحث فيها والحق القول إن الفضل في ذلك يعود إلى اساتذتي في مرحلة الإعدادية الذين حبونا لمثل هذه الواجبات وقد أهدى العلامة الأستاذ وحمد الله في كتابين أولهما كتاب الاقتصاد السياسي من تأليفه بالاشتراك مع العلامة الأستاذ اوسكار لائكة عالم الاقتصاد البولوني والكتاب الآخر عن البنك المركزي العراقي في ذكرى يوبيل الفضي ، حيث كان الدكتور محمد سلمان حسن احد أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي العراقي في حينها ، ولا أغالي كم شعرت في حينها بالفخار بل كل الفخار حتى كأنني أطير فرحا فوق الأرض التي لم اشعر انها تحت قدمي .
وبعد انتهاء المحاضرة أسرعت وراء العلامة الأستاذ الدكتور رحمة الله وقلت له : دكتور هل صحيح ان النقد الذي كتبته د اعجبك ؟ فقال لي : تعال معي إلى غرفتي لكي أخبرك بشيء يفيدك. وعندما دخلت إلى غرفته وإذن في بالجلوس ، وقال لي ابني إن النقد الذي كتبته قيمته العلمية لا تعادل الفلسين ولكني وجدتك شجاعا منفردا دون زملاءك بهذه الصبغة فاردت أن أثير واستفز زملاء لك ، كما إلى اتوقع لك مستقبلاً باهرا إن استمريت بهذا المنهج الشجاع - رحم الله أستاذنا الألمعي العلامة الأستاذ الدكتور محمد سلمان حسن على ما زرع فينا من حب للعلم والقدرة على المواجهة، والتمحيص عند القراءة والثاني والتفكر عند الكتابة.
(جريدة جامعتنا -السنة الثانية العدد ١٢- ايلول ٢٠٠٧- الصفحة ٥ )