وقت المحاضرة إنتهى
أ.م.د. احسان كاظم شريف القرشي
في عام ١٩٦٨ عندما كنت طالبا في الصف الثاني متوسط / ثانوية العروبة للبنين / بغداد / الكرخ للبنين درست مادة اللغة العربية على يد أستاذي القدير المدرس هادي نعمان الهيتي ( حاليا يحمل شهادة الدكتوراه وبلقب أستاذ ويشغل حاليا منصب عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد ) .... لقد كان أ.د. هادي الهيتي مدرسا صارما مهيبا، لا يمكن لأي تلميذ أن يتحرك أو يبتسم أو ينطق ببنت شفه أثناء درسه . وكان بجانبي في الرحلة التي اجلس عليها زميلي وأخي العزيز محمد جاسم محمد ( أصبح ألان طبيبا جراحا المعيا، وهو ألان للأسف يعمل خارج العراق ) ، ويتسم زميلي محمد بجمال شكله وبدانة جسمه ، وذات مرة أثناء درس اللغة العربية صرخ الأستاذ هادي الهيتي بصوت وكأنه زئير أسد أخافنا جميعا وقال : ( محمد انهض ) ، ولما نهض صفعه الأستاذ هادي صفعة قوية على خده .... حيث إنني بجانبه ارتعدت جميع فرائصي ، وكم شعرت بالحزن والأسى على زميلي محمد لاسيما وانه أذكى طالبا في الصف . وبعد المحاضرة سالت محمد لماذا صفعك الأستاذ (علما إن أثار الصفعة بقيت مرسومة على وجه محمد حتى بعد انتهاء الدوام ) فقال وهو يبكي والله لا ادري ، ولكني نظرت إلى ساعتي لارى كم هو الوقت. وعندما وصلت إلى بيتنا قصصت لوالدي رحمه الله هذه الرواية وسألته .لماذا يا أبي صفع الأستاذ هادي زميلي محمد وهو لم يرتكب أي خطا سوى أنه نظر إلى ساعته قال والدي إن زميلك ارتكب خطا كبيرا عندما نظر إلى الساعة ، لأنه بـ تصرفه هذا ربما أوحى إلى أستاذكم أن محاضرته أصبحت مملة وانه ضيف ثقيل وعليه أن يغادر الصف ، وهذا التصرف لا يمكن أن يصدر من طالب علم ...... ومرت الأيام والسنون وأصبحت استاذا جامعيا وفي إحدى السنوات وعلى ما اتذكر سنة ١٩٨٣ أو ١٩٨٤ وفي إحدى محاضراتي قلت لطلبتي هل تدرون كم أنا سعيد عندما ادرس في شعبتكم بل وأكون ممتنا حيث جميعكم تشاركون في النقاش وحل المسائل على السبورة وكأنني اعمل مع خلية نحل، فقام احد الطلبة واسمه فراس محمد علي وهو الطالب الأول على دفعته ، وقال لي أستاذ ونحن ايضا نحب درسك، ومعك الوقت يمر سريعا ولا نحسب له أي حساب فانتبهت ونظرت إلى ساعتي وإذا بوقت المحاضرة قد انتهى، بل إن وقت استراحة الطلبة قد انقضى ايضا ، وشعرت إن الطالب فراس قد نبهني إلى انتهاء وقت المحاضرة بطريقة متحضرة فشكرته وشكرت زملاؤه على دماثة أخلاقهم، وخرجت من القاعة وإذا بالأستاذ الذي بدأت محاضرته بعدي وجدته واقفا خلف الباب ولم يطرقها علي منتظرا أن اخرج لسمو ذوقه ونبل أخلاقه.
(جريدة جامعتنا -السنة الثانية العدد ١٤- تشرين الثاني ٢٠٠٧- الصفحة ٥)